كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



(قَوْلُهُ أَنَّ هَذَا) أَيْ الِانْتِظَارَ.
(قَوْلُهُ لَوْلَا مَا قَرَّرْتُهُ) يَعْنِي أَنَّ كَوْنَ الِانْتِظَارِ سَهْوًا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى إطْلَاقِ مَا يَأْتِي وَعَدَمِ تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِنَا وَمَحَلُّهُ إلَخْ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ فَلَيْسَ ذَلِكَ الِانْتِظَارُ سَهْوًا.
(قَوْلُهُ كَانَ غَيْرَ مُقْتَضٍ إلَخْ) جَوَابُ لَوْ وَاسْمُ كَانَ ضَمِيرُ الِانْتِظَارِ.
(قَوْلُهُ نَعَمْ يَسْجُدُ إلَخْ) هَذَا لَا مَحِيصَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَالْمُصَرِّحَةِ بِخِلَافِهِ وَهِيَ إذَا انْتَظَرَهُ قَائِمًا فَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَجْهَانِ قُلْتُ الْأَصَحُّ لَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ وَوَجْهُ السُّجُودِ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ إمَامَهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ انْتَهَتْ فَانْظُرْ قَوْلَهُ وَوَجْهُ السُّجُودِ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ إلَخْ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ لَا يَسْجُدُ لِسُجُودِ إمَامِهِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَا فِي قَوْلِهِ أَيْ الشَّارِحِ وَتَعْلِيلِ الرَّوْضَةِ إلَخْ إذْ لَوْ سُلِّمَ إشَارَتُهُ لِذَلِكَ عَارَضَهُ صَرِيحُ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَلْيُتَأَمَّلْ سم.
(قَوْلُهُ لَمَّا أَتَى بِمُبْطِلٍ) وَهُوَ سُجُودُهُ سَجْدَةَ ص و(قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) وَهُوَ قَوْلُهُ قُلْتُ لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إلَخْ.
(وَيُسَنُّ) السُّجُودُ (لِلْقَارِئِ) وَلَوْ صَبِيًّا وَامْرَأَةً وَمُحْدِثًا تَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ وَخَطِيبًا أَمْكَنَهُ بِلَا كُلْفَةٍ عَلَى مِنْبَرِهِ وَأَسْفَلَهُ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ (وَالْمُسْتَمِعُ) لِجَمِيعِ آيَةِ السَّجْدَةِ مِنْ قِرَاءَةٍ مَشْرُوعَةٍ كَقِرَاءَةِ مُمَيِّزٍ وَمَلَكٍ وَجِنِّيٍّ وَمُحْدِثٍ وَكَافِرٍ أَيْ رُجِيَ إسْلَامُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَامْرَأَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
قِيلَ لِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ مَشْرُوعٌ لِذَاتِهِ وَاقْتِرَانُ الْحُرْمَةِ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِعُرُوضِ الشَّهْوَةِ وَقَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ لَا سُجُودَ لِلْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ قِيَامِ الصَّلَاةِ لِكَرَاهَتِهَا وَلَا لِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ لِحُرْمَتِهَا فَالْوَجْهُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْمَدَارَ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى حِلِّ الْقِرَاءَةِ وَالسَّمَاعِ أَيْ عَدَمِ كَرَاهَتِهِمَا بِخِلَافِهَا بِرَفْعِ صَوْتٍ بِحَضْرَةِ أَجَانِبَ وَبِخِلَافِهِ مَعَ خَشْيَةِ فِتْنَةٍ أَوْ تَلَذُّذٍ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ وَالْحُرْمَةَ فِي ذَيْنِكَ لِذَاتِ كَوْنِهَا قِرَاءَةً بِخِلَافِ مَا فِي الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا فَإِنَّ حُرْمَتَهَا كَالسَّمَاعِ لِعَارِضٍ دُونَ جُنُبٍ وَسَاهٍ وَنَائِمٍ وَسَكْرَانَ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ كَمَجْنُونٍ وَطَيْرٍ وَمَنْ بِخَلَاءٍ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ كُرِهَتْ قِرَاءَتُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا قِرَاءَةً فِيمَا يَظْهَرُ وَمَا فِي التِّبْيَانِ فِي السَّكْرَانِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى سَكْرَانَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ وَفِي الْجُنُبِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى جُنُبٍ حَلَّتْ لَهُ الْقِرَاءَةُ لَكِنْ يَخْدِشُهُ مَا يَأْتِي فِي نَحْوِ الْمُفَسِّرِ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ صَارِفًا، وَلَوْ قَرَأَ آيَتَهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَمْ يَسْجُدْ لَهَا عَقِبَ سَلَامِهِ لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وَالْأَوْجَهُ فِي مُسْتَمِعٍ لَهَا قَبْلَ صَلَاتِهِ التَّحِيَّةَ أَنَّهُ يَسْجُدُ ثُمَّ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ لِأَنَّهُ جُلُوسٌ قَصِيرٌ لِعُذْرٍ وَهُوَ لَا يُفَوِّتُهَا.
تَنْبِيهٌ:
مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لِجَمِيعِ آيَةِ السَّجْدَةِ إلَى آخِرِهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَمَعَ الْآيَةَ مِنْ قَارِئَيْنِ كُلٍّ لِنِصْفِهَا مَثَلًا سَجَدَ اعْتِبَارًا بِالسَّمَاعِ دُونَ الْمَسْمُوعِ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِكُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ لَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّلْفِيقِ وَتَصْوِيرُ الْمَجْمُوعِ قَدْ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ ثُمَّ رَأَيْتُ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا فِيمَا إذَا تَرَكَّبَ السَّبَبُ مِنْ مُتَعَدِّدٍ أَنَّ الْحُكْمَ هَلْ يُضَافُ لِلْأَخِيرِ أَوْ لِلْمَجْمُوعِ فُرُوعًا بَعْضُهَا يَقْتَضِي الْأَوَّلَ كَمَا لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَلَمْ يُزْمِنْهُ وَرَمَى إلَيْهِ آخَرُ فَأَزْمَنَهُ فَفِي مَنْ يَمْلِكُ الصَّيْدَ مِنْهُمَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لِلثَّانِي لِكَوْنِ الْإِزْمَانِ عَقِبَ فِعْلِهِ، وَقِيلَ لَهُمَا إذْ لَوْلَا فِعْلُ الْأَوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ الْإِزْمَانُ، وَلَوْ مَلَكَ عَلَيْهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فَقَالَتْ لَهُ إنْ طَلَّقْتَنِي ثَلَاثًا فَلَكَ أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا تِلْكَ الطَّلْقَةَ اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ لِإِسْنَادِ الْبَيْنُونَةِ لَهَا، وَقِيلَ ثُلُثَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا تَقَدُّمُ ثِنْتَيْنِ قَبْلَهَا لَمْ يَحْصُلْ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ وَمَا شَابَهَهُمَا يُؤَيِّدُ أَوْ يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْتُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا إذْ إضَافَةُ الْحُكْمِ لِسَمَاعِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذَيْنِ يَمْنَعُ اعْتِبَارَ السَّمَاعِ الْأَوَّلِ وَيُوجِبُ اشْتِرَاطَ سَمَاعِ جَمِيعِ الْآيَةِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ.
وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا عِلَّةُ الْحُكْمِ إذَا زَالَتْ وَخَلَفَتْهَا عِلَّةٌ أُخْرَى أُضِيفَ لِلثَّانِيَةِ وَيَلْزَمُ مِنْ إضَافَتِهِ هُنَا لِلسَّمَاعِ الثَّانِي وَحْدَهُ عَدَمُ السُّجُودِ كَمَا تَقَرَّرَ وَيَأْتِي أَوَّلَ الْبَيْعِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذِكْرِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ عَدَمَ السُّجُودِ فِي نَحْوِ السَّاهِي بِعَدَمِ الْقَصْدِ اشْتِرَاطُ قَصْدِ الْقِرَاءَةِ فِي الذَّاكِرِ وَلَيْسَ مُرَادًا فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ عَدَمُ الصَّارِفِ وَقَوْلُهُمْ لَا يَكُونُ الْقُرْآنُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ مَحَلُّهُ عِنْدَ وُجُودِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ لَهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ عَدَمِ نَدْبِهَا لِلْمُفَسِّرِ أَيْ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ صَارِفٌ لِلْقِرَاءَةِ عَنْ مَوْضُوعِهَا وَمِثْلُهُ الْمُسْتَدِلُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ قَالَ السُّبْكِيُّ اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ عَلَى أَنَّ التِّلْمِيذَ إذَا قَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ لَا يَسْجُدُ فَإِنْ صَحَّ مَا قَالُوهُ فَحَدِيثُ زَيْدٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ» حُجَّةٌ لَهُمْ. اهـ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَلْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَمْ يَسْجُدْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ «قَوْلُ زَيْدٍ قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَسْجُدْ» وَسَبَبُهُ بَيَانُ جَوَازِ تَرْكِ السُّجُودِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا فَتَرْكُ زَيْدٍ لِلسُّجُودِ إنَّمَا هُوَ لِتَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَدَعْوَى الْعَكْسِ الْمَنْقُولِ عَنْ أَبِي دَاوُد عَجِيبَةٌ فَإِنْ قَالَ الْقُرَّاءُ إنَّ التِّلْمِيذَ لَا يَسْجُدُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ الشَّيْخُ كَذَلِكَ قُلْنَا لَا حُجَّةَ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ زَيْدٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِتَجْوِيزِهِ النَّسْخَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلتَّرْكِ مُطْلَقًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْ الشَّيْخِ وَالتِّلْمِيذِ وَأَنَّ تَرْكَ أَحَدِهِمَا لَهُ لَا يَقْتَضِي تَرْكَ الْآخَرِ لَهُ (وَيَتَأَكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى طَلَبِهَا مِنْهُ حِينَئِذٍ وَجَرَيَانُ وَجْهٍ بِعَدَمِهِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ.
وَإِذَا سَجَدَ مَعَهُ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِهِ (قُلْتُ وَيُسَنُّ لِلسَّامِعِ) لِجَمِيعِ الْآيَةِ مِنْ قِرَاءَةٍ مَشْرُوعَةٍ كَمَا ذُكِرَ وَهُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ السَّمَاعَ وَيَتَأَكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ لَكِنْ دُونَ تَأَكُّدِهَا لِلْمُسْتَمِعِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا صَحَّ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَيَسْجُدُ وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُهُمْ مَوْضِعًا لِجَبْهَتِهِ»، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ أَوْ سُورَتَهَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فِي الصَّلَاةِ أَوْ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ أَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ لِغَرَضِ السُّجُودِ فَقَطْ أَوْ سَجَدَ الْمُصَلِّي لِغَيْرِ سَجْدَةِ إمَامِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ حَرُمَ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ، وَكَلَامُ التِّبْيَانِ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَنْهِيٌّ عَنْ زِيَادَةِ سُجُودٍ فِيهَا إلَّا لِسَبَبٍ كَمَا أَنَّ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ إلَّا لِسَبَبٍ فَالْقِرَاءَةُ فِيهَا بِقَصْدِ السُّجُودِ فَقَطْ كَتَعَاطِي السَّبَبِ بِاخْتِيَارِهِ فِيهِ لِيَفْعَلَ الصَّلَاةَ كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ بِقَصْدِ التَّحِيَّةِ فَقَطْ فَاعْتَرَضَ الْبُلْقِينِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ قِرَاءَةُ: {الم تَنْزِيلُ} السَّجْدَةُ فِي أَوَّلِ صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي قِرَاءَةَ السَّجْدَةِ لِيَسْجُدَ مَرْدُودٌ كَمَا بَسَطَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا اتِّبَاعُ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَالسُّجُودُ لَهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَا مَرَّ مِنْ تَجْرِيدِ قَصْدِ السُّجُودِ فَقَطْ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَثِّرْ قَصْدُهُ فَقَطْ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَالْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ عِبَادَةً لَا مَانِعَ مِنْهَا هُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ الْحُرْمَةِ فِيمَا مَرَّ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يَجُوزُ قَطْعُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ السُّجُودُ فِيهَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ فَيَحْرُمُ حَتَّى فِي النَّفْلِ كَمَا أَنَّهُ يُبْطِلُهُ وَخَرَجَ بِالسَّامِعِ غَيْرُهُ.
وَإِنْ عَلِمَ بِرُؤْيَةِ السُّجُودِ وَزَعَمَ دُخُولَهُ فِي: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قُرِئَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ سَمِعَهُ وَصَحَّ عَنْ جَمْعِ صَحَابَةٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ أَيْ سَمِعَ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: لِلْقَارِئِ) وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ قَرَأَ آيَةً بَيْنَ يَدَيْ مُدَرِّسٍ لِيُفَسِّرَ لَهُ مَعْنَاهَا فَيَسْجُدُ لِذَلِكَ كُلٌّ مِنْ الْقَارِئِ وَمَنْ سَمِعَهُ؛ لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ مَشْرُوعَةٌ بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَةِ الْكَافِرِ لَا يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التِّلَاوَةَ فَلَا سُجُودَ لِأَنَّا نَقُولُ، بَلْ قَصَدَ تِلَاوَتَهَا لِتَقْرِيرِ مَعْنَاهَا شَرْحُ م ر وَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا سُجُودَ لِقِرَاءَةِ الْمُسْتَدِلِّ. اهـ، وَلَوْ صَرَفَ الْقَارِئُ قِرَاءَتَهُ عَنْ الْقُرْآنِ كَأَنْ قَصَدَ الذِّكْرَ، أَوْ مُجَرَّدَ التَّفْهِيمِ هَلْ يَنْتَفِي طَلَبُ السُّجُودِ عَنْهُ وَعَنْ سَامِعِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبِيًّا) أَيْ: مُمَيِّزًا فِيمَا يَظْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي الْمَجْنُونِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.
(قَوْلُهُ: وَامْرَأَةً)، وَلَوْ بِرَفْعِ صَوْتِهَا بِحَضْرَةِ أَجَانِبَ، وَلَوْ مَعَ خَوْفِ فِتْنَةٍ، أَوْ شَهْوَةٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ م ر.
(قَوْلُهُ وَخَطِيبًا إلَخْ) بَحَثَ م ر امْتِنَاعَهَا عَلَى سَامِعِهِ وَإِنْ سَجَدَ هُوَ لِمَظِنَّةِ الْإِعْرَاضِ وَقَدْ يَسْبِقُهُ الْخَطِيبُ، أَوْ يَقْطَعُ السُّجُودَ.
(قَوْلُهُ: وَخَطِيبًا إلَخْ) أَيْ وَلِسَامِعِهِ الْحَاضِرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يَأْتِي فِيهِ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْخُطْبَةِ بِالصَّلَاةِ وَلَا إعْرَاضَ فِي السُّجُودِ لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا سَجَدَ الْخَطِيبُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْجُدْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُجُودُهُ حِينَئِذٍ كَسُجُودِهِ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ الْخَطِيبِ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ بَحَثَ الشَّارِحِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ عَدَمَ حُرْمَتِهِ حَيْثُ قَالَ وَيَحْرُمُ بَعْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ صَلَاةُ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ وَلَا تَنْعَقِدُ لَا طَوَافٌ وَسَجْدَةُ تِلَاوَةٍ، أَوْ شُكْرٍ فِيمَا يَظْهَرُ فِيهِمَا أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بِأَنَّ فِيهَا إعْرَاضًا عَنْ الْخَطِيبِ بِالْكُلِّيَّةِ. اهـ. بِاخْتِصَارِ وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، ثَمَّ مَا نَصُّهُ:
وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي الطَّوَافِ وَسَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَلَا يَبْعُدُ حِلُّ الثَّلَاثَةِ إذْ لَيْسَ فِيهَا مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْخَطِيبِ مَا فِي الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا لَا يُسَمَّى صَلَاةً حَقِيقَةً. اهـ، وَفِي فَتَاوَى الشَّارِحِ أَنَّ الْوَجْهَ تَحْرِيمُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إلْحَاقًا لَهَا بِالصَّلَاةِ كَمَا أَلْحَقُوهَا بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا هُنَا أَضْيَقُ بِدَلِيلِ عُمُومِ التَّحْرِيمِ هُنَا لِذَاتِ السَّبَبِ وَمَالَ م ر لِذَلِكَ وَتَقَدَّمَ بَحْثُهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَافِرٍ)، وَلَوْ جُنُبًا وَإِنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ وَإِنْ كَانَ مُعَانِدًا؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ حَيْثُ حَلَّتْ وَيُفَارِقُ الْمُسْلِمَ الْجُنُبِ بِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْجَنَابَةِ فَلَمْ تَكُنْ الْجَنَابَةُ صَارِفَةً عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ م ر.
(قَوْلُهُ: دُونَ جُنُبٍ وَسَاهٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ سُجُودِ مُسْتَمِعٍ وَسَامِعٍ قِرَاءَةَ الْمَذْكُورِينَ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ خِلَافُهُ فِي قِرَاءَةِ الْجُنُبِ وَمَنْ قَصَدَ بِهَا الذِّكْرَ فَقَطْ وَأَنْكَرَ هَذَا النَّقْلَ م ر.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ بِخَلَاءٍ) قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْخَلَاءِ مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةُ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ يَخْدِشُهُ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجُنُبِ الَّذِي حَلَّتْ لَهُ الْقِرَاءَةُ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْقُرْآنَ، أَوْ مَنْ أَطْلَقَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ صَارِفَةٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِلَّا لَمْ تَحِلُّ قِرَاءَتُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ) اُنْظُرْ لَوْ قَرَأَهَا فِيهَا بَدَلًا عَنْ فَاتِحَةٍ جَهِلَهَا هَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا سَيَأْتِي عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ إلَخْ) هَلْ يُغْتَفَرُ تَقْدِيمُ سَجْدَةِ الشُّكْرِ أَيْضًا قَبْلَ التَّحِيَّةِ، أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ إنَّمَا قُدِّمَتْ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا.
(قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ) اعْتَمَدَهُ م ر.
(قَوْلُهُ: مِنْ عَدَمِ نَدْبِهَا لِلْمُفَسِّرِ) خُولِفَ م ر.
(قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الْمُسْتَدِلُّ) وَافَقَ م ر.
(قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِهِ) فَعُلِمَ جَوَازُ اقْتِدَائِهِ بِهِ وَيَنْبَغِي جَوَازُ عَكْسِهِ أَيْضًا بِأَنْ يَقْتَدِيَ الْقَارِئُ بِالْمُسْتَمِعِ وَكَذَا بِالسَّامِعِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْبُطْلَانُ بِمُجَرَّدِ الْقِرَاءَةِ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ.